فصل: الحديث الثانى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الْأَثر التَّاسِع:

«أَن حُسَيْنًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قدم سعيد بن الْعَاصِ أَمِير الْمَدِينَة فَصَلى عَلَى الْحسن».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن سَالم بن أبي حَفْصَة قَالَ: سَمِعت أَبَا حَازِم يَقُول: «إِنِّي لشاهد يَوْم مَاتَ الْحسن بن عَلّي، فَرَأَيْت الْحُسَيْن بن عَلّي يَقُول لسَعِيد بن الْعَاصِ ويطعن فِي عُنُقه: تقدم، فلولا أَنَّهَا سنة مَا قُدمت. وَكَانَ بَينهم شَيْء، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اتنفسون عَلَى ابْن نَبِيكُم بتربة تدفنونه فِيهَا، وَقد سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أحبهما فقد أَحبَّنِي، وَمن أبغضهما فقد أبغضني». وَسَالم هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ وَعَمْرو بن عَلّي وَابْن حبَان، وَوَثَّقَهُ يَحْيَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث قبيصَة، عَن سُفْيَان، عَن أبي الجحاف، عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء الزبيدِيّ، قَالَ: اخبرني من شهد الْحُسَيْن بن عَلّي حِين مَاتَ الْحسن وَهُوَ يَقُول لسَعِيد بن الْعَاصِ: «اقدم، فلولا أَنَّهَا سنة مَا قدمت».

.الْأَثر الْعَاشِر:

«أَن سعيد بن الْعَاصِ صَلَّى عَلَى زيد بن عمر بن الْخطاب وَأمه أم كُلْثُوم بنت عَلّي، فَوضع الْغُلَام بَين يَدَيْهِ وَالْمَرْأَة خَلفه، وَفِي الْقَوْم نَحْو من ثَمَانِينَ نفسا من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فصوبوه، قَالُوا: هَذِه السّنة».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح، من حَدِيث عمار بن عمار التَّابِعِيّ- مولَى لبني هَاشم، الثِّقَة بِالْإِجْمَاع «أَنه شهد جَنَازَة أم كُلْثُوم وَابْنهَا، فَجعل الْغُلَام مِمَّا يَلِي الإِمَام، فأنكرت ذَلِك، وَفِي الْقَوْم ابْن عَبَّاس، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَأَبُو قَتَادَة، وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَقَالُوا: هَذِه السّنة». وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «وَكَانَ فِي الْقَوْم الْحسن، وَالْحُسَيْن، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عمر، وَنَحْو من ثَمَانِينَ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَن الإِمَام كَانَ ابْن عمر، وَخَلفه ابْن الْحَنَفِيَّة، وَالْحُسَيْن، وَابْن عَبَّاس» وَفِي رِوَايَة: «عبد الله بن جَعْفَر».
فَائِدَة:
أم كُلْثُوم هَذِه هِيَ بنت عَلّي بن أبي طَالب، زوج عمر بن الْخطاب، وَابْنهَا هُوَ زيد- الْأَكْبَر- بن عمر بن الْخطاب، كَمَا سَيَأْتِي بعد هَذَا، وَكَانَ مَاتَ هُوَ وَأم كُلْثُوم بنت عَلّي فِي وَقت وَاحِد، وَلم يدر أَيهمَا مَاتَ أَولا، فَلم يُورث أَحدهمَا من الآخر.

.الْأَثر الْحَادِي عشر:

«أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه صَلَّى عَلَى تسع جنائز، فَجعل الرِّجَال يلونه، وَالنِّسَاء يلين الْقبْلَة».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن، من رِوَايَة نَافِع عَنهُ «أَنه صَلَّى عَلَى تسع جنائز جَمِيعًا رجال وَنسَاء، فَجعل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام، وَجعل الْمسَاء مِمَّا يَلِي الْقبْلَة، وَصفهم صفا وَاحِدًا، وَوضعت جَنَازَة أم كُلْثُوم بنت عَلّي امْرَأَة عمر بن الْخطاب وَابْن لَهَا يُقَال: زيد بن عمر بن الْخطاب، وَالْإِمَام يَوْمئِذٍ سعيد بن الْعَاصِ، وَفِي النَّاس يَوْمئِذٍ ابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأَبُو سعيد، وَأَبُو قَتَادَة، فَوضع الْغُلَام مِمَّا يَلِي الإِمَام، فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: السّنة». وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: «فأنكرت ذَلِك؛ فَنَظَرت إِلَى ابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة، وَأبي سعيد، وَأبي قَتَادَة؛ فقلتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: السّنة» وَرَوَاهُ كَذَلِك ابْن الْجَارُود فِي المنتقي.

.الْأَثر الثَّانِي عشر:

«عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي جَمِيع تَكْبِيرَات الْجِنَازَة».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، أَنا مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الله، بن عمر بن حَفْص، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ كلما كبر عَلَى الْجِنَازَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي كل تَكْبِيرَة من تَكْبِير الْجِنَازَة، وَإِذا قَامَ من الرَّكْعَتَيْنِ- يَعْنِي فِي الْمَكْتُوبَة».

.الْأَثر الثَّالِث عشر:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يفعل كَذَلِك.
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، فَقَالَ: انا من سمع سَلمَة بن وردان يذكر عَن أنس بن مَالك «أَنه كَانَ يرفع يَدَيْهِ كلما كبر عَلَى الْجِنَازَة». وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِلَفْظ: وَيذكر عَن أنس... إِلَى آخِره.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَعَن عُرْوَة وَابْن الْمسيب مثله.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ الشَّافِعِي: بَلغنِي عَن سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير مثل ذَلِك، وَعَلَى ذَلِك أدركنا اهل الْعلم ببلدنا. نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَنهُ، قَالَ فِي السّنَن: ورويناه عَن قيس بن ابي حَازِم، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَالْحسن، وَمُحَمّد بن سِيرِين.
قلت: وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَة رفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة». زَاد ابْن عَبَّاس: «ثمَّ لَا يعود». وَزَاد أَبُو هُرَيْرَة: «ثمَّ وضع يَده الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فضعيفان، وَفِي الْكتاب الْمُسَمَّى بالمغني عَن الْحِفْظ وَالْكتاب بقَوْلهمْ لم يَصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب لابْنِ بدر الْموصِلِي، بَاب رفع الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَات الْجَنَائِز: لَا يَصح فِيهِ شَيْء عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا أَنه لم يرفع.

.الْأَثر الرَّابِع عشر:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «أعمقوا إِلَى قدر قامة وَبسطه».
هَذَا الْأَثر ذكره ابْن الْمُنْذر فِي الإشراف بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: وروينا عَن عمر بن الْخطاب «أَنه أَوْصَى أَن يعمق قدر قامة وَبسطه».

.الْأَثر الْخَامِس عشر:

رُوِيَ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه أَمر الذِّمِّيَّة إِذا مَاتَت وَفِي بَطنهَا جَنِين مُسلم ميت أَن تدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث سُفْيَان عَن عَمْرو «أَن امْرَأَة نَصْرَانِيَّة مَاتَت وَفِي بَطنهَا ولد مُسلم؛ فَأمر عمر أَن تدفن مَعَ الْمُسلمين من أجل وَلَدهَا». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار، ان شَيخا من أهل الشَّام أخبرهُ «أَن عمر بن الْخطاب دفن امْرَأَة من اهل الْكتاب فِي بَطنهَا ولد مُسلم، فِي مَقْبرَة الْمُسلمين».
انْتَهَى الْكَلَام عَلَى آثَار الْبَاب أَيْضا بِحَمْد الله ومنّه وَكَرمه.
وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل الْبَاب عَن بعض التَّابِعين اسْتِحْبَاب قِرَاءَة سُورَة الرَّعْد عِنْد الْمَيِّت أَيْضا، وَهَذَا التَّابِعِيّ هُوَ جَابر بن زيد أَبُو الشعْثَاء قَالَ: «فَإِنَّهَا تهون عَلَيْهِ خُرُوج الرّوح». ذكره صَاحب الْبَيَان عَنهُ، وأسنده الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس جَعْفَر بن مُحَمَّد المستغفري فِي كتاب فَضَائِل الْقُرْآن فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، نَا حَمَّاد بن أَحْمد، نَا هناد بن السّري، نَا وَكِيع، عَن حسان بن إِبْرَاهِيم، عَن أُميَّة الْأَزْدِيّ، عَن جَابر بن زيد قَالَ: «كَانَ يسْتَحبّ أَن يقْرَأ عِنْد الْمَيِّت سُورَة الرَّعْد، قَالَ: وَيُقَال: إِن ذَلِك يُخَفف أَيْضا». وَقد كنت ذكرت هُنَا خَاتِمَة تتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد، ثمَّ ذكرتها فِي أثْنَاء تعليقي عَلَى حَدِيث: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته» فَرَاجعهَا مِنْهُ.

.باب تَارِك الصَّلَاة:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خمس صلوَات كتبهن الله عَلَيْكُم فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، فَمن جَاءَ بِهن فَلم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد، إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان، عَن بن محيريز «أَن رجلا من بني كنَانَة يُدعَى المخدجي سمع رجلا بِالشَّام يكنى أَبَا مُحَمَّد يَقُول: إِن الْوتر وَاجِب. قَالَ المخدجي: فَرُحتُ إِلَى عبَادَة بن الصَّامِت، فعرضت لَهُ وَهُوَ رائح إِلَى الْمَسْجِد. فَأَخْبَرته بِالَّذِي، قَالَ أَبُو مُحَمَّد. قَالَ عبَادَة: كذب أَبُو مُحَمَّد؛ سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: خمس صلوَات كتبهن الله عَلَى الْعباد، فَمن جَاءَ بِهن، لَا يُضيع مِنْهُنَّ شَيْئا، اسْتِخْفَافًا بحقهن؛ كَانَ لَهُ عهد عِنْد الله أَن يدْخلهُ الْجنَّة. وَمن لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ أدخلهُ الْجنَّة».
وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن أَيْضا، رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث مَالك أَيْضا، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث شُعْبَة، عَن عبد ربه بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى بن حبَان، عَن ابْن محيريز، عَن المخدجي، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «خمس صلوَات افترضهن الله عَلَى عباده، فَمن جَاءَ بِهن لم ينتقص مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن فَإِن الله جَاعل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة عهدا أَن يدْخلهُ الْجنَّة، وَمن جَاءَ بِهن قد نقص مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن؛ لم يكن لَهُ عِنْد الله عهد، إِن شَاءَ عذبه، وَإِن شَاءَ غفر لَهُ».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده فَقَالَ: نَا يزِيد، أَنا يَحْيَى بن سعيد. فَذكره كَرِوَايَة مَالك، إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره: «وَإِن شَاءَ غفر لَهُ».
قَالَ ابْن عبد الْبر: وَعبد الله بن محيريز من جلة التَّابِعين، وَهُوَ مَعْدُود فِي الشاميين، قَالَ: والمخدجى مَجْهُول لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ مَالك: المخدجي لقب وَلَيْسَ ينْسب فِي شي من قبائل الْعَرَب، وَقيل: إِن المخدجي اسْمه رفيع، وَذكر ذَلِك عَن يَحْيَى بن معِين.
وَأما أَبُو مُحَمَّد فَيُقَال: إِنَّه مَسْعُود بن أَوْس الْأنْصَارِيّ، وَيُقَال: سعيد بن أَوْس، وَيُقَال: إِنَّه بَدْرِي.
وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام عَلَى ابْن عبد الْبر فِيمَا قَالَه، فَقَالَ: هَكَذَا ذكر أَبُو عمر أَن المخدجي مَجْهُول، وَقد كَانَ، قدم قبل ذَلِك أَنه لم يخْتَلف عَن مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَأَنه حَدِيث صَحِيح ثَابت، فَتَأمل تَصْحِيح أبي عمر مَعَ حكمه بِأَن المخدجي مَجْهُول.
قلت: والمخدجي ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، فَقَالَ: أَبُو رفيع المخدجي من بني كنَانَة، يروي عَن عبَادَة بن الصَّامِت، رُوِيَ عَنهُ: ابْن محيريز، ثمَّ سَاق لَهُ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأخرجه فِي صَحِيحه من طَرِيقين إِلَيْهِ، وَلَفظه: «من جَاءَ بالصلوات الْخمس قد كملهن لم ينقص من حقهن شَيْئا كَانَ لَهُ عِنْد الله عهد أَن لَا يعذبه، وَمن جَاءَ بِهن وَقد أنقص من حقهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد، إِن شَاءَ رَحمَه، وَإِن شَاءَ عذبه».
ثمَّ قَالَ: وَأَبُو مُحَمَّد هَذَا اسْمه مَسْعُود بن زيد بن سبيع الْأنْصَارِيّ، من بني دِينَار بن النجار، لَهُ صُحْبَة، سكن الشَّام. قَالَ: وَقَول عبَادَة: كذب أَبُو مُحَمَّد يُرِيد بِهِ أَخطَأ، وَهَذِه لَفْظَة مستعملة لأهل الْحجاز، إِذا أَخطَأ أحدهم يُقَال لَهُ: كذب، وَالله- تَعَالَى جلّ وَعلا- نزه أقدار الصَّحَابَة عَن إلزاق الْقدح بهم، حَيْثُ قَالَ: يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم...، فَمن أخبر الله- جلّ وَعز- أَن لَا يخزيه فِي الْقِيَامَة فبالحري أَن لَا يُجَرح، وَكَذَا قَالَ: أَرَادَ بقوله: «كذب» أَخطَأ فِي الْفَتْوَى؛ لِأَن الْكَذِب إِنَّمَا يكون فِي الْإِخْبَار، وَلم يخبر عَن غَيره.
قلت: وَلِحَدِيث عبَادَة هَذَا طرق أُخْرَى، تركناها خوف الطول، ومتابع من حَدِيث أبي قَتَادَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَكَعب بن عجْرَة رَوَاهُ أَحْمد.
تَنْبِيه: تحصلنا فِي اسْم المخدجي عَلَى قَوْلَيْنِ، وَفِي اسْم أبي مُحَمَّد عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضا، وَفِي اسْم وَالِده عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضا، وَلما ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه عَن الْخطابِيّ أَنه قَالَ: أَبُو مُحَمَّد صَحَابِيّ، اسْمه مَسْعُود بن زيد بن سبيع، اعْتَرَضَهُ فَقَالَ: كَذَا قَالَ، وَلَا نعرفه فِي الصَّحَابَة.
قلت: عرفه أَبُو عمر، وَابْن حبَان، وَغَيرهمَا، كَمَا أسلفناه.

.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك الصَّلَاة فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
أَحدهَا: عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي: أَن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا، وَإِن قطعت وَحرقت، وَأَن لَا تتْرك صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة، وَلَا تشرب الْخمر؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث رَاشد الْحمانِي، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء.
وَرَاشِد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ: رُبمَا أَخطَأ. وَشهر تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي بَاب: النَّجَاسَات، وَأَن التِّرْمِذِيّ صحّح حَدِيثا من جِهَته. وَأم الدَّرْدَاء: هجيمة، من بَنَات التَّابِعين وصالحيهم، ذكرهَا ابْن حبَان فِي ثقاته، وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثهَا.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث جُبَير بن نفير قَالَ: «دخلت عَلَى أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: حدثيني بِشَيْء سمعتيه من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: كنت يَوْمًا أفرغ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ يتَوَضَّأ، إِذْ دخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد الرُّجُوع إِلَى أَهلِي؛ فأوصني بِوَصِيَّة أحفظها. فَقَالَ: لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا، وَإِن قطعت وَحرقت بالنَّار، وَلَا تعصين والديك، وَإِن أمراك أَن تخلي من أهلك ودنياك فتخل، وَلَا تتْرك صَلَاة مُتَعَمدا، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله- عَزَّ وَجَلَّ- وَذمَّة رَسُوله، وَلَا تشربن الْخمر؛ فَإِنَّهُ رَأس كل خَطِيئَة».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب الْفَضَائِل مِنْهُ؛ فِي تَرْجَمَة أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ حَدِيث فِيهِ طول، وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن سِنَان بن أبي فَرْوَة الرهاوي وَقد تَرَكُوهُ، وَهَذَا السَّائِل للْوَصِيَّة إِن كَانَ أَبَا الدَّرْدَاء فَهُوَ الطَّرِيق الأول.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أم أَيمن أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مَكْحُول عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: فِيهِ إرْسَال؛ مَكْحُول لم يُدْرِكهَا.
وَرَوَاهُ أَحْمد من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «وَلَا تتْرك الصَّلَاة مُتَعَمدا؛ فَإِن من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَرَسُوله».
الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث معَاذ بن جبل مَرْفُوعا: «من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد بَرِئت ذمَّة الله».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَفِي إِسْنَاده «بَقِيَّة»: حَالَته مَعْلُومَة، عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بدونهما.
الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أوصانا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع خلال، فَقَالَ: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطعْتُمْ وحرقتم أَو صلبتم، وَلَا تتركوا الصَّلَاة متعمدين، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا فقد خرج من الْملَّة، وَلَا تركبوا الْمعْصِيَة؛ فَإِنَّهَا سخط الله- تَعَالَى- وَلَا تقربُوا الْخمر؛ فَإِنَّهَا رَأس الْخَطَايَا كلهَا، وَلَا تَفِرُّوا من الْمَوْت أَو الْقَتْل وَإِن كُنْتُم فِيهِ وَلَا تَعْصِي والديك، وَإِن أمراك أَن تخرج من الدُّنْيَا كلهَا فَاخْرُج، وَلَا تضع عصاك عَن أهلك، وأنصفهم من أهلك».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا، وَفِي إِسْنَاده من لَا يحضرني حَاله.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك صَلَاة مُتَعَمدا فقد كفر».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث رَاشد بن نجيح الْحمانِي، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أَوْصَانِي خليلي أَن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن حرقت، وَلَا أترك صَلَاة مُتَعَمدا، فَمن تَركهَا مُتَعَمدا فقد كفر» الحَدِيث.
قَالَ الْبَزَّار: هَذَا حَدِيث لَا نعلمهُ يرْوَى عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وَرَاشِد: لَيْسَ بِهِ بَأْس؛ قد حدث عَنهُ غير وَاحِد، وَشهر قد رَوَى عَنهُ النَّاس، وَتَكَلَّمُوا فِيهِ، وَاحْتَملُوا حَدِيثه.
قلت: وَقد سلف الْكَلَام عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد فِي الحَدِيث قبله، وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ فَقَالَ فِي علله يرويهِ أَبُو النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم، عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس مَرْفُوعا: «من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد كفر جهارًا».
وَخَالفهُ ابْن الْجَعْد فَرَوَاهُ عَن أبي جَعْفَر، عَن الرّبيع مُرْسلا، وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.
قلت: وَله طَرِيق ثَالِث مُنكر، ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن مُوسَى الْبَصْرِيّ، قَالَ: لم أر فِي حَدِيثه شَيْئا تنكره الْقُلُوب إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا، فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «تَارِك الصَّلَاة كَافِر».
وَاعْلَم أَن الإِمَام فِي نهايته وَالْغَزالِيّ فِي وسيطه وبسيطه، وتبعهما الرَّافِعِيّ، جعلا هَذَا الحَدِيث مُسْتَندا للصحيح من الْمَذْهَب: أَنه يقتل بترك صَلَاة وَاحِدَة نظرا إِلَى كَون الصَّلَاة مُنكرَة، فَاعْترضَ ابنُ الصّلاح وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ لَا نعرفه، وَقد عَرفته أَنْت فِي مُسْند الْبَزَّار وعلل الدَّارَقُطْنِيّ، وَللَّه الْحَمد، وَوَقع فِي كَلَام النَّوَوِيّ فِي خلاصته: أَنه حَدِيث مُنكر، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ قَالَ ابْن الصّلاح: وَلَكِن مُعْتَمد الْمَذْهَب مَا ثَبت من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «بَين العَبْد وَبَين الْكفْر ترك الصَّلَاة». أخرجه مُسلم.
وَأخرج التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث بُرَيْدَة بن الْحصيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ الصَّلَاة فَمن تَركهَا فقد كفر قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَا نَعْرِف لَهُ عِلّة. قَالَ: وَله شَاهد عَلَى شَرطهمَا فَذكره، وَفِي التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْإِيمَان بِإِسْنَاد صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح، عَن عبد الله بن شَقِيق العقيلى- التَّابِعِيّ الْمُتَّفق عَلَى جلالته- قَالَ: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرَوْنَ من الْأَعْمَال شَيْئا تَركه كفرا غير الصَّلَاة» وَذكره الْحَاكِم عَن شَقِيق، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ سَوَاء ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قبل، وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب حَدِيث الْوَادي وَحَدِيث الغابة، وَقد سلفا فِيمَا مَضَى.

.كتاب الزَّكَاة:

كتاب الزَّكَاة:

.باب زَكَاة النّعم:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فعشرة:

.الحديث الأول:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَانع الزَّكَاة فِي النَّار».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ؛ تبعا للغزالي فِي وسيطه، وَقَالَ ابْن الصّلاح: بحثتُ عَنهُ فَلم أجد لَهُ أصلا.
قلت: قد وجدته بِحَمْد الله وَمِنْه فِي الطَّبَرَانِيّ؛ قَالَ فِي أَصْغَر معاجمه: ثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي يُوسُف الْخلال الْمصْرِيّ، ثَنَا بَحر بن نصر الْخَولَانِيّ، ثَنَا أَشهب بن عبد الْعَزِيز، نَا اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن سَعْد بن سِنَان، عَن أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَانع الزَّكَاة يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار».
وَذكره أَبُو طَاهِر السلَفِي الْحَافِظ فِيمَا خرَّجه لأبي عبد الله الرَّازِيّ، وَقد سلف إسنادنا إِلَيْهِ فِي الْكَلَام عَلَى السِّوَاك، عَن أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سعيد بن عبد الله الْحَافِظ، نَا أَبُو الْعَبَّاس مُنِير بن أَحْمد بن الْحسن الْبَصْرِيّ، نَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن وردان الْمعَافِرِي، نَا بَحر بن نصر.
فَذكره كَمَا سلف، وَزَاد مَعَ اللَّيْث، ابْن لَهِيعَة مُتَابعَة. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام من هَذَا الْوَجْه؛ فَقَالَ: قرأتُ عَلَى أبي الْحُسَيْن الْحَافِظ عَن أبي الطَّاهِر الشفيقي- بشين مُعْجمَة، ثمَّ، فَاء ثمَّ مثناة تَحت، ثمَّ قَاف، ثمَّ يَاء- نِسْبَة إِلَى مَسْجِد شفيق الْملك تَحت القلعة، أَنا أَبُو عبد الله الرَّازِيّ.
فَذكره كَمَا أسلفناه ثمَّ قَالَ: وَسعد بن سِنَان مُخْتَلف فِي اسْمه وَفِي ثوثيقه، وَهُوَ كَمَا ذكر، فَإِنَّهُ قيل اسْمه سعد بن سِنَان وَقيل عَكسه؛ هَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي «الْأَدَب»، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَالْأول ذكره أَبُو دَاوُد، وَغَيره، قَالَ ابْن حبَان: وَأَرْجُو أَن يكون الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح وصَححهُ البُخَارِيّ.
وَأما الْخلف فِي توثيقه؛ فَقَالَ أَحْمد: رُوِيَ خَمْسَة عشر حَدِيثا مُنكرَة كلهَا مَا عرفت مِنْهَا وَاحِدًا، وَقَالَ مرّة: لم أكتب أَحَادِيثه؛ لأَنهم اضْطَرَبُوا فِيهِ وَفِي حَدِيثه، وَنقل ابْن الْقطَّان أَن أَحْمد وَثَّقَهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ الْجوزجَاني: أَحَادِيثه واهية، وَقَالَ ابْن معِين فِي رِوَايَة أَحْمد بن زُهَيْر: ثِقَة. وَأخرج لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «المعتدي فِي الصَّدَقَة كمانعها» ثمَّ قَالَ: حسن؛ فَيكون هَذَا الحَدِيث حسنا عَلَى شَرطه، وَمَعَ أنّ لَهُ شَوَاهِد فِي الصَّحِيح تقويه؛ مِنْهَا:
قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حقّها إِلَّا إِذا كَانَت يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صَفَائِح من نَار، فأحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم، فيكوى بهَا جنبه وجبينه وظهره» مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل وَمِنْهَا: قَوْله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «بني الْإِسْلَام عَلَى خمس» وعدَّ مِنْهَا: «إيتَاء الزَّكَاة».
مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر، وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث الثَّابِتَة.

.الحديث الثانى:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فرسه صَدَقَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَأما حَدِيث أبي يُوسُف، عَن غورك بن الحصرم، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر مَرْفُوعا «فِي الْخَيل السَّائِمَة فِي كل فرسٍ دِينَار» فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ غورك عَن جَعْفَر، وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، وَمن دونه ضعفاء.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: أَبُو يُوسُف هُوَ القَاضِي، وَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ عِنْدهم.

.الحديث الثَّالِث:

رُوِيَ الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ- بِإِسْنَادِهِ إِلَى أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «هَذِه الصَّدَقَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمُسلمين الَّتِي أَمر الله بهَا، فَمن سئلها عَلَى وَجههَا من الْمُؤمنِينَ فليعطها، وَمن سئلها فَوق حَقه، فَلَا يُعْطهَا: فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل، فَمَا دونهَا من الْغنم، فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين، إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا ابْنة مَخَاض أُنْثَى، فَإِن لم يكن فِيهَا ابْنة مَخَاض، فَابْن لبون ذكر، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا ابْنة لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت ستًّا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حقة طروقة الْجمل، فَإِذا بلغت وَاحِدًا وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين، فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت ستًّا وَسبعين إِلَى تسعين، فَفِيهَا ابنتا لبون، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان طروقتا الْجمل، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقةٍ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَهُوَ عُمْدَة الْبَاب، وَعَلِيهِ وَعَلَى حَدِيث ابْن عمر الآتى مدَار نصب زَكَاة الْمَاشِيَة.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ذكرنَا بأطول من هَذَا عَن الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر، عَن الْمثنى بن أنس، أَو ابْن فلَان بن أنس، عَن أنس: «هَذِه الصَّدَقَة...» فَذكره كَمَا سقناه، وَزِيَادَة «وَإِن بَين أَسْنَان الْإِبِل فِي فَرِيضَة الصَّدَقَة، من بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَت عِنْده الجزعة، وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا عَلَيْهِ، أَو عشْرين درهما، وَإِذا بلغت عَلَيْهِ حقة، وَلَيْسَت عِنْده حقة، وَعِنْده جَذَعَة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الْجَذعَة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما، أَو شَاتين».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: كَذَا رَوَى هَذَا الحَدِيث عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن الْمثنى بن أنس وَهُوَ الْمثنى بن عبد الله بن أنس، نسب إِلَى جده، وَالشَّافِعِيّ ذكر هَذِه الرِّوَايَة بِرِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، عَن أنس، وَجعل اعْتِمَاده عَلَيْهَا وَعَلَى مَا بعْدهَا من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: أَخْبرنِي عددٌ ثِقَات كلهم، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثل مَعْنَى هَذَا لَا يُخَالِفهُ، إِلَّا أَنِّي لم أحفظ فِيهِ «إِلَّا يُعْطَى شَاتين، أَو عشْرين درهما» لَا أحفظ: «إِن اسْتَيْسَرَ عَلَيْهِ». قَالَ: وأحسب فِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أنس، أَنه قَالَ: «دفع إليَّ أَبُو بكر الصّديق كتاب الصَّدَقَة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم»، وَذكر هَذَا الْمَعْنى كَمَا وصفتُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث حَمَّاد، عَن ثُمَامَة، عَن أنس؛ حَدِيث صَحِيح مَوْصُول، وَقد قصر بِهِ بعض الروَاة، فَرَوَاهُ عَن حَمَّاد، قَالَ: «أخذت من ثُمَامَة كتابا زعم أَن أَبَا بكر كتبه لأنس»، فَتعلق بِهِ بعض من ادّعى الْمعرفَة بالآثار؛ وقَالَ: هَذَا مُنْقَطع وَأَنْتُم لَا تثبتون الْمُنْقَطع، وَإِنَّمَا وَصله عبد الله بن الْمثنى، عَن ثُمَامَة، عَن أنس، وَأَنْتُم لَا تَجْعَلُونَ عبد الله بن الْمثنى حجَّة.
وَلم يعلم أَن يُونُس بن مُحَمَّد الْمُؤَدب قد رَوَاهُ عَن حَمَّاد، قَالَ: أخذت هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة عَن أنس، «أَن أَبَا بكر كتب لَهُ...».
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُرَيج بن النُّعْمَان، عَن حَمَّاد. وَقد أوردهُ ابْن الْمُنْذر فِي كِتَابه محتجًّا بِهِ.
وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه- وَهُوَ إِمَام- عَن النَّضر بن شُمَيْل- وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ فِي الْعَدَالَة والإتقان والتقدم عَلَى أَصْحَاب حَمَّاد- قَالَ: ثَنَا حَمَّاد ابْن سَلمَة، قَالَ: أَخذ هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة يحدثه عَن أنس، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، وَكلهمْ ثِقَات.
قلت: وَبِهَذَا يظْهر رد مَا نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي كتاب التتبع عَلَى الصَّحِيحَيْنِ: إِن ثُمَامَة لم يسمعهُ من أنس، وَلَا سَمعه عبد الله بن الْمثنى من ثُمَامَة. وَمَا فِي الْأَطْرَاف للمقدسي: قيل لِابْنِ معِين: حَدِيث ثُمَامَة عَن أنس فِي الصَّدقَات؟ قَالَ: لَا يَصح، وَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث الصَّدقَات.
فَإِن قلت: قد تكلم جمَاعَة فِي عبد الله بن الْمثنى، فَقَالَ الساجى: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ د: لَا أخرج حَدِيثه، وَقَالَ أَبُو سَلمَة: كَانَ ضَعِيفا.
قلت: قد أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَلَى وَجه الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقَالَ أبوحاتم: صَالح الحَدِيث، وَوَثَّقَهُ غَيره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَلَا نعلم من حَملَة الحَدِيث وحفاظهم من استقصى فِي انتقاد الروَاة مَا استقصى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، مَعَ إِمَامَته، وتقدمه فِي معرفَة الرِّجَال، وَعلل الْأَحَادِيث، ثمَّ إِنَّه اعْتمد فِي هَذَا الْبَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن الْمثنى، عَن ثُمَامَة، عَن أنس، وَأخرجه فِي صَحِيحه وَذَلِكَ لِكَثْرَة الشواهد لحديثه هَذَا بِالصِّحَّةِ.
قلت: وَقد ذكره البُخَارِيّ مفرقًا فِي كتاب الزَّكَاة، فِي عشرَة مَوَاضِع مِنْهُ، فأجمعه لَك هُنَا ليحال مَا يَقع بعد عَلَيْهِ، فَأَقُول: رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ، حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنِي ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، أَن أنسا حَدثهُ «أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كتب لَهُ هَذَا الْكتاب لما وَجهه إِلَى الْبَحْرين: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة، الَّتِي فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمُسلمين، وَالَّتِي أَمر الله رَسُوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا، فَمن سئلها عَلَى وَجههَا من الْمُسلمين؛ فليعطها، وَمن سُئِلَ فَوْقهَا؛ فَلَا يُعْط، فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا من الْغنم فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بنت مَخَاض أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقَّةُُ طروقةُ الْجمل، فَإِذا بلغت وَاحِدَة وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين، فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت،- يعْنى- سِتا وَسبعين إِلَى تسعين، فَفِيهَا بِنْتا لبون، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا حقَّتان طروقتا الْجمل، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين حقة، وَمن لم يكن مَعَه إِلَّا أَربع من الْإِبِل، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة، إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا، فَإِذا بلغت خمْسا من الْإِبِل فَفِيهَا شَاة، وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها، إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين ومائَة إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَان، فَإِذا زَادَت عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه، فَإِذا زَادَت عَلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِي كل مائَة شَاة، فَإِذا كَانَت سَائِمَة الرجل نَاقِصَة من أَرْبَعِينَ شَاة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة، إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا وَفِي الرقة ربع الْعشْر، فَإِن لم تكن إِلَّا تسعين وَمِائَة، فَلَيْسَ فِيهَا شي إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا».
وَفِي هَذَا الْكتاب: «وَمن بلغت صدقته بنت الْمَخَاض وَلَيْسَت عِنْده، وَعِنْده بنت لبون، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين، فَإِن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض عَلَى وَجههَا، وَعِنْده ابْن لبون، فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَه شَيْء، وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَت عِنْده جَذَعَة وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيجْعَل مَعهَا شَاتين، إِن استيسرتا لَهُ، أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة، وَلَيْسَت عِنْده الحقة، وَعِنْده الْجَذعَة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الْجَذعَة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما، أَو شَاتين، وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة، وَلَيْسَت عِنْده إِلَّا بنت لبون، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت لبون، وَيُعْطَى شَاتين أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت صدقته بنت لبون، وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين، وَمن بلغت صدقته بنت لبون، وَلَيْسَت عِنْده، وَعِنْده بنت مَخَاض، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت مَخَاض، وَيُعْطَى مَعهَا عشْرين درهما أَو شَاتين وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار، وَلَا تَيْس، إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق، وَلَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مجتمعٍ خشيَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين، فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ» هَذَا كُله لفظ البُخَارِيّ، مفرقًا، وَقد رَوَاهُ بِطُولِهِ ابْن حبَان فِي صَحِيحه.
قَالَ الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ-: هَذَا حَدِيث ثَابت وَبِه نَأْخُذ. وَقَالَ الْحَاكِم: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ.
فَائِدَة: فِي الْإِشَارَة إِلَى ضبط أَلْفَاظ وَقعت فِي هَذَا الحَدِيث، وطرف من فَوَائده، وَقد تعرض الرَّافِعِيّ لطرف لطيف مِنْهَا؛ فَذكر الْبَسْمَلَة فِي أَوله يُسْتَدلُّ بِهِ عَلَى ابتدائها فِي أول الْكتب كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: بِخِلَاف مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من قَوْلهم بِاسْمِك اللَّهُمَّ، قَالَ ودلَّ أَيْضا عَلَى أَن الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لله لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا شَرط، وأنّ مَعْنَى الحَدِيث: «كل أمرٍ ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْزم» أَي: لم يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله أَو مَعْنَاهُ وَنَحْوه من ذكر الله تَعَالَى.
وَقَوله: «هَذِه فَرِيضَة» بَدَأَ بِإِشَارَة التَّأْنِيث؛ لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ مؤنثًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا: وَقَوله «فَرِيضَة» أَي: نُسْخَة فَرِيضَة الصَّدَقَة، فَحذف لَفْظَة «نُسْخَة» وهومن حذف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه.
وَقَوله: «هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة»، هُوَ تَرْجَمَة الْكتاب فِي عنوانه، كَمَا يكْتب هَذَا مُخْتَصر كَذَا، وَكتاب كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَقَوله: «فَرِيضَة الصَّدَقَة» فِيهِ دلَالَة عَلَى أَن اسْم الصَّدَقَة يُطلق عَلَى الزَّكَاة، خلافًا لأبي حنيفَة.
وَقَوله: «وَالَّتِي أَمر بهَا رَسُوله» يَعْنِي قَوْله: خُذ من أَمْوَالهم الْآيَة. وَمَعْنى «فرض»: قدر، وَقيل: سنّ، وَقيل: أوجب، والرافعي ذكر الأول والأخير فِي الْكتاب، فعلَى الثَّالِث مَعْنَاهُ: إِن الله أوجبهَا ثمَّ بلغَهَا إِلَيْنَا رَسُوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَمَّى أمره وتبليغه فرضا، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ: شرعها بِأَمْر الله تَعَالَى. وَعَلَى الأول: بيَّنها؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تحَّلة أَيْمَانكُم} أَو يكون مَعْنَاهُ من قَوْلهم: فرض القَاضِي النَّفَقَة أَي قدرهَا.
وَقَوله: «عَلَى الْمُسلمين» فِيهِ دلَالَة لمن يَقُول: إِن الْكَافِر لَيْسَ مُخَاطبا بِالزَّكَاةِ وَسَائِر الْفُرُوع، وَمن قَالَ إِنَّه مُخَاطب بهَا- وَهُوَ الصَّحِيح- قَالَ: مَعْنَى «فرض عَلَى الْمُسلمين» أَن تُؤْخَذ مِنْهُم فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِر لَا تُؤْخَذ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِن يعذب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة.
وَقَوله: «وَالَّتِي أَمر الله تَعَالَى رَسُوله»، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وَغَيره، من كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة. وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب، وَأبي دَاوُد فِي سنَنه: «الَّتِي» بِغَيْر وَاو، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. فَأَما رِوَايَة الْجُمْهُور؛ فعطف عَلَى قَوْله «الَّتِي فرض رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم»، يَعْنِي أَن فَرِيضَة الصَّدَقَة اجْتمع فِيهَا تَقْدِير رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر الله تَعَالَى.
وَأما عَلَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة؛ فَتكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة بَدَلا من الأولَى وَقَوله: «فَمن سُئلها عَلَى وَجههَا؛ فليعطها، وَمن سُئل فَوْقهَا فَلَا....» هُوَ بِضَم السِّين فيهمَا عَلَى مَا لم يسم فَاعله، وبكسر الطَّاء، كَذَا هُوَ مَوْجُود فِي البُخَارِيّ وَغَيره من كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة.
وَوَقع فِي الْمُهَذّب: «فَمن سَأَلَهَا» بِفَتْح السِّين فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وبفتح الطَّاء.
وَمَعْنى «من سَأَلَهَا عَلَى وَجههَا» أَي عَلَى حسب مَا شرعت.
وَقَوله: «فَلَا يُعْطه» اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الضَّمِير فِي «لَا يُعْطه» عَلَى وَجْهَيْن، أصَحهمَا: أَن مَعْنَاهُ لَا يُعْطي الزَّائِد، بل يُعْطي الْوَاجِب عَلَى وَجهه، وَنَقله الرَّافِعِيّ عَن اتِّفَاق الشَّارِحين.
وَثَانِيهمَا: أَن مَعْنَاهُ لَا يُعْط فرض الزَّكَاة وَلَا شَيْء مِنْهُ، لهَذَا السَّاعِي، بل يخرج الْوَاجِب بِنَفسِهِ، أَو يَدْفَعهُ إِلَى ساعٍ آخر؛ لِأَن السَّاعِي بِطَلَبِهِ الزَّائِد عَلَى الْوَاجِب يكون مُتَعَدِّيا فَاسِقًا، وَشرط الساعى أَن يكون أَمينا.
وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل، فَمَا دونهَا الْغنم» هَذِه جملَة من مُبْتَدأ وَخبر، فالغنم مُبْتَدأ، «وَفِي أَربع وَعشْرين» خبر مقدم. قَالَ بَعضهم: الْحِكْمَة هُنَا فِي تَقْدِيمه عَلَى الْمُبْتَدَأ: أَن الْمَقْصُود بَيَان النّصاب، وَالزَّكَاة إِنَّمَا تجب بعد وجود النّصاب، فَكَانَ تَقْدِيمه أحسن، ثمَّ ذكر الْوَاجِب، وَكَذَا اسْتعْمل هَذَا الْمَعْنى فِي كل النصب؛ حَيْثُ قَالَ: «فِيهَا ابْنة مَخَاض»، «فِيهَا بنت لبون»، «فِيهَا حقة» إِلَى آخِره.
وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين، فَمَا دونهَا الْغنم» مُجمل، ثمَّ فسّره بِأَن فِي كل خمس شَاة.
وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين، فَمَا دونهَا» وَقَوله: «إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، إِلَى خمس وَأَرْبَعين، إِلَى سِتِّينَ» كل ذَلِك دَلِيل عَلَى أَن الأوقاص لَيست بِعَفْو، وَأَن الْفَرْض يتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ، وَالْمَشْهُور عندنَا خِلَافه.
وَالْإِبِل: بِكَسْر الْبَاء، وَيجوز إسكانها، وَهِي مُؤَنّثَة، وَكَذَلِكَ الْبَقر، وَالْغنم.
وطروقة: بِمَعْنى مطروقة، كحلوبة وركوبة بِمَعْنى محلوبة ومركوبة، وَهِي طروقة الْجمل كَمَا سلف. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «طروقة الْفَحْل» قلت: هُوَ لفظ أبي دَاوُد.
والرقة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف كل الْفضة، كَمَا سيأتى وَاضحا، فِي بَاب زَكَاة الْمَعْدن- إِن شَاءَ الله.
وَقَوله: «بنت مَخَاض أُنْثَى» وَكَذَا «ابْن لبون» قيل: إِنَّه احْتِرَاز من الْخُنْثَى، وَالأَصَح أَنه تَأْكِيد لشدَّة الاعتناء؛ كَقَوْلِهِم: رَأَيْت بعيني، وَسمعت بأذني.
والعوار: بِفَتْح الْعين أفْصح من ضمهَا وَأشهر، وَهُوَ الْعَيْب.
وَقَوله: «وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار، وَلَا تَيْس إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق» وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق». فَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ؛ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: «المصّدق» هُنَا بتَشْديد الصَّاد، وَهُوَ ربّ المَال، وَالِاسْتِثْنَاء عَائِد إِلَى «التيس» خَاصَّة، وَمَعْنَاهُ: لَا يخرج هرمة، وَلَا ذَات عيب أبدا، وَلَا يُؤْخَذ التيس إِلَّا برضى الْمَالِك، قَالُوا: ولابد من هَذَا التَّأْوِيل؛ لِأَن الهرمة وذَات الْعَيْب لَا يجوز للْمَالِك إخراجهما، وَلَا لِلْعَامِلِ الرضَى بهَا، وَأما التيس فالمنع من أَخذه لحق الْمَالِك، وَهُوَ كَونه فَحل الْغنم، الْمعد لضرابها، فَإِذا تبرع بِهِ الْمَالِك جَازَ، وَصورته إِذا كَانَت الْغنم كلهَا ذُكُورا بِأَن مَاتَت الْإِنَاث وَبقيت الذُّكُور فَيجب فِيهَا ذكر، وَيُؤْخَذ من وَسطهَا، وَلَا يجوز أَخذ تَيْس الْغنم إِلَّا برضى الْمَالِك.
والتأويل الثَّانِي أَن الْمُصدق بِفَتْح الصَّاد المخففة: السّاعي، وَهُوَ الظَّاهِر؛ وَيعود الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع، وَهُوَ أَيْضا الْمَعْرُوف من مَذْهَب الشَّافِعِي أَن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جُملاً عَاد إِلَى جَمِيعهَا، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ.
وَقَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه تصاحيف الروَاة: أَخْبرنِي الْحسن بن صَالح، عَن ابْن الْمُنْذر قَالَ: كَانَ أَبُو عبيد يُنكر قَوْله: «إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق» يَقُول: هَكَذَا يَقُوله المحدثون، وَأَنا أرَاهُ «الْمُصدق» يَعْنِي رب الْمَاشِيَة، وَقَوله فِي أول الْكتاب: «لمَّا وَجهه إِلَى الْبَحْرين» هُوَ اسْم لبلاد مَعْرُوفَة، وإقليم مَشْهُور، مُشْتَمل عَلَى مدن، قاعدتها هجر، قَالُوا: وَهَكَذَا ينْطق بِهِ «الْبَحْرين» بِلَفْظ التَّثْنِيَة، وينسب إِلَيْهِ بحراني.
وذكرالرافعي- رَحِمَهُ اللَّهُ- رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن الْوَجِيز ثمَّ أنكرها، فَقَالَ: قَوْله «فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة وَاحِدَة، فَفِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، ثمَّ فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون» لَا يُوجد هَكَذَا فِي حَدِيث أبي بكر وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالَّذِي فِيهِ كَمَا أسلفه وَرَأَيْت فِي نُسْخَة من الْوَجِيز عزو هَذِه إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَلم أرها فِي كِتَابه أَيْضا.